بِلَادٌ تُعِدُ حَقَائِبَهَا للرَحِيلْ.. وَلَيْسَ هُنَاكَ رَصِيفٌ ..وَلَيْسَ هُنَاكَ قِطَارْ

الأحد، 14 فبراير 2010

سَنُشْعِلُ شَمْعَاً ...قصة قصيرة بقلمي


سَنُشْعِلُ شَمْعَاً ...
(1)
لم يكن من عشاق الكرة ، ولكنه رغم ذلك عشقها ، عشقها منذ أن رأى دم والده منثورا في وسط الملعب ، إطلاقا لم تفارقه الصورة ، بعدها لم يستطع أن يكره الكرة .. بل أحبها ، عشقها رأى فيها وجه والده الذي أنطفأ مُنذُ عشرة أعوام ، رأى فيها الثأر من كل من دفع بالمع من عينيه ، رغم أنه لم يبكي من قبل إلا يوم الولادة ..!

(2)
دخل غرفته ، اشعل عشر شمعات ، كان قد اطفأها منذ عشر سنوات مضت ، كتب على ورقة صغيرة " إليكَ أُهدي دَمِي " وذهب .

(3)
أم أحمد لم تزل تتابع الأخبار في كل صباح ، تسمع صرخات الثكالى وأنين الجرحى ، تفطر على هذه المناظر ، وأحيانا تحتسي القهوة المرة بعد كُلِ نشرة مبكية .. ودائمًا مبكية ..
_ خبر عاجل _
اليوم الثامن من رمضان الحادية عشر صباحًا ، فجر استشهادي نفسه ، سبعة قتلى سقطوا ، وفوقهم عشرون كانوا جرحى .
ابتسمت ، مُنذُ متى لم تضحكين يا أم أحمد ..؟ ذهبت لتسجد شكرا لله ، وعادت ، عادت تجلس قرب الشاشة تنتظرُ المشهد ، زادت أعدادُ القتلى زادت ، صرخت أحمد أحمد اسمع واشهد يا أحمد ماتوا يا أحمد ....

(4)
أحمد ، أحمد ، أحمد ...
تسرع الى غرفة أحمد ، الغرفة فارغة ..!!! ... فارغة !! أين إذًا أَحمَدْ ..؟؟
الشمع مضاءٌ يا ويلي .. هذا شمعُ أبو أحمد ، تطفأ شمعة فتقرأ (...) لم تفهم بعد ، أين أحمد ..؟ كان المنظر مشجي مبكي ، لكن لم تبكي أم احمد ، صرخت أحمد .. إذهب حيثُ أراد لك الله ...
لآزال الشمعُ مضاء ، فقط .. إنطفئت شمعة ، لكن الكثير سيشعل شمعَا ...

(5)
خلف المكتب كانت تبكي ، هل أبكاكِ المشهد ، لمست صورته وبعينيها رمقته ، هل اعجبك طيفي يا سلمى ..؟ ومن عينيها هطل الدمعُ .. لآ تبكي يا سلمى فسهام دموعك تقتلني أو تحبين قتلي يا سلمى ؟؟
_ ما عاذ الله يا حبي ، أو اقتل من قلبي الدفء ، لكل فعل أفعله منك سؤال يا أحمد .. لا زالت تحفظهُ ذاكرتي يا أحمد .
_ الثوبُ الأبيض قد أصبح جاهز متى سأزفُ به يا أحمد ..؟ والمحبس في اليمنى ماذا أفعل ..؟؟
_ دوما كنتُ أردد متى نتزوج ..؟؟ وتجيبُ سريعا في أقرب وقت يا سلمى إن شاء الله نتزوج .
_ أحمد .. القلبُ بحبك مشتعلٌ ، والعين لموتك تحترق ، أو تدري بي يا أحمد ؟
_ لكني بكِ أفخر ، الليلة كانوا في المرقص ، القدمُ تراقصُ أقدامًا ، والكأسُ يضربُ كأسًا ، رغم سواد الليل أصبح كل الفندق أحمر ، لو علموا بالحاصل ما رقصوا أو شربوا خمرا ..
_ إني أذكُرُ قولكَ يومًا أنك سترحل .. هل كنت تعلم أنك غدًا ترحل ؟ لم لم تخبرني يا أحمد ..؟ أو كنت تخافُني يا أحمد ؟
الأن أفهم ما كنت تعني أما في السابق لم أفهم ، دعني أكمل لك ذكرى الشؤم لهم ، عن تاريخهم الأغبر ، القتلى جاوزوا أصابع اليدين وزادوا خمسًا ، وعن الجرحى لا تسأل ، فالعدد لن تتصوره فقد فاق ما كنا نتصور ، وسوادُ اللي أصبح أكثر من أمر ، غطى كل المرقص .. تصور حتى الكأس أصبح أحمر ..!!
بكت سلمى ما عادت تتحمل صبرا ، نامت سلمى وفي عينيها حلمٌ يهجع ، ماذا كانت تحلم سلمى ؟ ناداها هذا صباحُ اليوم قد أصبح قومي يا سلمى .. خُذي الكتب وانطلقي ولا تنسي أني أنتظر الخبر ..
(6)
الشمس بهدوء قالت صباحُكِ سُكر ..
لكن فزعت سلمى .. رغم دفءِ الشمس ، حملت كل الكتب وقالت : إني للجامعةِ سأذهبْ .
نادتها : أَوَ نسيتي اليوم الثالث يا سلمى ...؟؟
قالت وبعينيها الدمعُ يرقصُ ألمًا ..حُبي يا أمي لن يمنعني أن أتعلم ما ينفع ...

هناك تعليقان (2):

The absent يقول...

لم استغرب ولم اتفاجئ ابدا من هذه القصة . .

فقط . . لانها محفوره بذاكرتنا . . ولكن ليست على صوره قصة .. بل على صوره ذكرى حقيقية . .

أبدعتِ كالعادة . .

مُتابع

غير معرف يقول...

الشمع مازال مشتعل و هناك الكثير ممن مازال يشعل شموعه
القصة تروي حكاية واقع فيه من الفخر و الألم ما يكفي
بارك الله فيك